ثقافة "نحو أرض مجهولة" لمهدي فليفل: حدث سينمائي هام يرفع علم فلسطين في مهرجان كان
بقلم الناقد السينمائي طاهر الشيخاوي
تراجعت نسبة الأعمال القادمة من إفريقيا والعالم العربي هذه السنة، فتضاعفت رغبتنا في اكتشاف ما توفّر منها. قبل أن نعود لاحقا إلى قراءة جامعة للموضوع دعنا نتوقف قليلا عند الفيلم الفلسطيني "نحو أرض مجهولة" الذي عُرض في "نصف شهر السينمائيين" لمهدي فليفل.
لمّا اكتشفنا في أواخر الثمانينيات "عرس الجليل" لميشال خليفي رحّبا به أيّما ترحيب. اعتبرناه حينها تحوّلا هاما في تاريخ السينما الفلسطينية لأنّه احتلّ مكانه في مجال السينما من ناحية وأسّس لوجهة نظر تُصّور المجتمع الفلسطيني من الداخل من ناحية أخرى. فقناعتنا انطلقت من أنّ إبعاد شعب من أرضه قد يؤدي، في عملية عكسية وبدون وعي، إلى خروج نخبته من أرض الفكر والفنّ، وأنّ مشروعية افتكاك الأرض تقتضي من النخبة افتكاك مكان في أرض الفنون وامتلاك الأدوات الخاصّة بهذه الفنون والتحكم فيها بما يمكّن من تأكيد الذات. منذ ذلك الحين شاهدنا عددا من السينمائيين الذين دأبوا على هذا المنوال وقدّموا أعمالا يشهد بها العالم.
يمكن القول إنّ مهدي فليفل ينتمي إلى هذا التيّار. ولكن في صنف آخر. فهو لم يقتصر فقط على تمكّنه من مقوّمات اللغة السينمائية ولكنه لم يتردّد أمام ولوج الأجناس السينمائية المعروفة. فـ"نحو بلد مجهول" ينتمي إلى أفلام الحركة أو كما يُقال في الشرق أفلام "الأكشن" المبنية على شخصيتين رئيسيتين مختلفتين. هنا في قضية الحال، شتيلا (لا فائدة في الإشارة هنا الى سواد السخرية) يقوم بالدور محمود بكري ورضا (أرام صبّاغ) شابان فلسطينيان، ابنا عمّ، في أثينا، قدما من مخيّم لبناني، يرغبان في العبور إلى برلين حيث يعتقدان أنه يمكنهما العيش في ظروف أفضل.
شتيلا هو صاحب الفكر والقرار وحامي ابن عمّه رضا، نزولا عند رغبة عمّته التي لم تنفك توصيه خيرا بإبنها. لأنّ رضا شاب هش نفسيا، أقرب منه الى اليأس، لا يملك جأشا أمام المخدرات. نصاحب الشخصيتين في محاولات عديدة للحصول على سبيل للخروج من اليونان. يلتجآن إلى جميع أنواع الخدع والمكائد المتاحة. فالخطط التي يدبرها شتيلا تشكّل مراحل سيناريو محكم، ترجمه فليفل في إخراج سينمائي مفعم بالحيوية ومثير للإعجاب، لا يخلو من الكوميديا. لا بدّ من التنويه أيضا بقدرة المخرج على إدارة ممثليه إدارة تشدّ المشاهد دون ابعاده عن أصل الموضوع. علما أنّ مهدي فليفل يتناول مسألة عاش مثلها.
كان العرض حدثا بكلّ المعاني فالترحيب في قاعة "الكروازيت" المخصصة لأفلام قسم "نصف شهر السينمائيين" لم يتوقف بعد العرض، رُفع العلم الفلسطيني طويلا أمام تصفيق الجمهور. وتعالت صيحات المساندة منادية "تحيا فلسطين". فبالرغم من ندرة الأفلام العربية يمكن القول إنّ عرض "نحو أرض مجهولة" مثّل لحظة لافتة ومهمّة في الوقت الذي يستعدّ فيه عدد من البلدان الأوروبية إلى الاعتراف بدولة فلسطين.